سورة طه - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44)}
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {اذْهَبا} قال في أول الآية: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي} وقال هنا: {اذْهَبا} فقيل: أمر الله تعالى موسى وهرون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة فرعون، وخاطب أولا موسى وحده تشريفا له، ثم كرر للتأكيد.
وقيل: بين بهذا أنه لا يكفي ذهاب أحدهما.
وقيل: الأول أمر بالذهاب إلى كل الناس، والثاني بالذهاب إلى فرعون.
الثانية: في قوله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً} 20: 44 دليل على جواز الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً 20: 44} وقال: {لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى 20: 46} [طه: 46] فكيف بنا فنحن أولى بذلك. وحينئذ يحصل الآمر أو الناهي على مرغوبة، ويظفر بمطلوبه، وهذا واضح.
الثالثة: واختلف الناس في معنى قوله: {لَيِّناً} فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة: معناه كنياه، وقاله ابن عباس ومجاهد والسدي. ثم قيل: وكنيته أبو العباس.
وقيل: أبو الوليد.
وقيل: أبو مرة، فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف وطمع بإسلامه. وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه، لان الطمع ليس بحقيقة توجب عملا. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه، ومن الإكرام دعاؤه بالكنية. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصفوان بن أمية: «أنزل أبا وهب» فكناه.
وقال لسعد: «ألم تسمع ما يقوله أبو حباب» يعني عبد الله بن أبي.
وروى في الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قام على باب فرعون سنة، لا يجد رسولا يبلغ كلاما حتى خرج. فجرى له ما قص الله علينا من ذلك، وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين، وربك أعلم بالمهتدين. وقيل قال له موسى: تؤمن بما جئت به، وتعبد رب العالمين، على أن لك شبابا لا يهرم إلى الموت، وملكا لا ينزع منك إلى الموت، وينسأ في أجلك أربعمائة سنة، فإذا مت دخلت الجنة. فهذا القول اللين.
وقال ابن مسعود: القول اللين قوله تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى} [النازعات: 18- 19]. وقد قيل أن القول اللين قول موسى: يا فرعون إنا رسولا ربك رب العالمين. فسماه بهذا الاسم لأنه كان أحب إليه مما سواه مما قيل له، كما يسمى عندنا الملك ونحوه. قلت: القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه، يقال: لان الشيء يلين لينا، وشيء لين ولين مخفف منه، والجمع أليناء. فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا، فمن دونه أحرى بأن يقتدى بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه. وقد قال الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة: 83]. على ما تقدم في البقرة بيانه والحمد لله.
الرابعة: قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} 20: 44 معناه: على رجائكما وطمعكما، فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر، قاله كبراء النحويين: سيبويه وغيره. وقد تقدم في أول البقرة. قال الزجاج: {لعل} لفظة طمع وترج فخاطبهم بما يعقلون. وقيل {لعل} هاهنا بمعنى الاستفهام. والمعنى فانظر هل يتذكر.
وقيل: هي بمعنى كي.
وقيل: هو إخبار من الله تعالى عن قول هرون لموسى لعله يتذكر أو يخشى، قاله الحسن.
وقيل: إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع. وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي فقال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ 10: 90} [يونس: 90]. ولكن لم ينفعه ذلك، قاله أبو بكر الوراق وغيره.
وقال يحيي بن معاذ في هذه الآية: هذا رفقك بمن يقول أنا الاله فكيف رفقك بمن يقول أنت الاله؟!. وقد قيل: إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالايمان، فشاور هامان فقال: لا تفعل، بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا.
وقال له: أنا أردك شابا فخضب لحيته بالسواد فهو أول من خضب.


{قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45)}
قوله تعالى: {قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى} 20: 45 قال الضحاك: {يَفْرُطَ 20: 45} يعجل. قال: و{يَطْغى} يعتدى. النحاس: التقدير نخاف أن يفرط علينا منه أمر، قال الفراء: فرط منه أمر أي بدر، قال: وأفرط أسرف. قال: وفرط ترك. وقراءة الجمهور {يفرط} بفتح الياء وضم الراء، ومعناه يعجل ويبادر بعقوبتنا. يقال: فرط مني أمر أي بدر، ومنه الفارط في الماء الذي يتقدم القوم إلى الماء. أي يعذبنا عذاب الفارط في الذنب وهو المتقدم فيه، قاله المبرد. وقرأت فرقة منهم ابن محيصن {يفرط} بفتح الياء والراء، قال المهدوي: ولعلها لغة. وعنه أيضا بضم الياء وفتح الراء ومعناها أن يحمله حامل التسرع إلينا. وقرأت طائفة {يفرط} بضم الياء وكسر الراء، وبها قرأ ابن عباس ومجاهد وعكرمة وابن محيصن أيضا. ومعناه يشطط في أذيتنا، قال الراجز:
قد أفرط العلج علينا وعجل ***


{قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46)}
فيه مسألتان: الأولى: قال العلماء: لما لحقهما ما يلحق البشر من الخوف على أنفسهما عرفهما الله سبحانه أن فرعون لا يصل إليهما ولا قومه. وهذه الآية ترد على من قال: إنه لا يخاف، والخوف من الاعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم. ولقد أحسن البصري رحمه الله حين قال للمخبر عن عامر بن عبد الله- أنه نزل مع أصحابه في طريق الشام على ماء، فحال الأسد بينهم وبين الماء، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته، فقيل له: فقد خاطرت بنفسك. فقال: لان تختلف الاسنة في جوفي أحب إلي من أن يعلم الله أني أخاف شيئا سواه-: قد خاف من كان خيرا من عامر، موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال له: الرجل: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 20} [القصص: 20- 21] وقال: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص: 18] وقال حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى. قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى 20: 68- 67} [طه: 67- 68]. قلت: ومنه حفر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم، مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحدا، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة إلى الحبشة، ومرة إلى المدينة، تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. وقد قالت أسماء بنت عميس لعمر لما قال لها سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منكم: كذبت يا عمر، كلا والله كنتم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار- أو أرض- البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن كنا نؤذى ونخاف. الحديث بطوله خرجه مسلم. قال العلماء: فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله نفوس بني آدم عليه كاذب، وقد طبعهم على الهرب مما يضرها ويؤلمها أو يتلفها. قالوا: ولا ضار أضر من سبع عاد في فلاة من الأرض على من لا آلة معه يدفعه بها عن نفسه، من سيف أو رمح أو نبل أو قوس وما أشبه ذلك.
الثانية: قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُما 20: 46} يريد بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون. وهذا كما تقول: الأمير مع فلان إذا أردت أنه يحميه. وقوله: {أسمع وأرى} عبارة عن الإدراك الذي لا تخفى معه خافية، تبارك الله رب العالمين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8